أنا : حمود .. تعال بوس خاله ..
" يلتهي بلعبته ولا يلتفت لي , كأنهُ لم يسمع ما قلته "
أعيد قولي من جديد : بوس خاله وبعطيك حلاوة ..
أظنهُ يقول في عقله " حلااااااوووة !! "
مؤشرات حمراء في عقله تشير لهُ بأنه الأمر مهم ,
ويجب أن تستجيب له ..
( فالعرض مغري جداً في عالمه ,
خصوصاً أني أعلم أنها نقطة ضعفه )
يرمي ما بين يديه ..
يجري لي و يطبع قبلة بحماس على خدي ,
يسرق الحلاوة من بين يديّ سعيداً .. ويفتحها بحماس
ويمضي للعبته .. وأبقى بقبلة على خدّي مبتسمة ..
لطرافة الموقف ..
سعيدة بما أعطاني و سعيدة بما أعطيته ..
وبعد دقائق معدودة .. وقد نسيت أمر القبلة ,
يعود لي , ويطبع قبلة أخرى على خدّي ويقول :
" أبي حلاوة ثاني "
ابتسم لشقاوة وبراءة الأطفال ..
( فقد فهم الحكاية , وأهداني ما أريد قبل أن أهديه ما يريد )
=)
وعلى جانبٍ آخر ..
ومع دكتورة في الجامعة لا زلت أتذكر الموقف معها ..
وفي حوار دار معها ومع من كان معي في القسم
الطالبات : دكتورة نريد درجاتنا في البحث كاملة ..
لتردّ :
تريدون درجاتكم كاملة , أحضروا البحث لي في الوقت المحدد ..
لا أريد أن أكلف عليكم أبداً , فأنا طيبة جداً مع الجميع
حتى زوجي وأخوتي وأخواتي وأهلي يقولون أنتِ مشكلتك الطيبة الزائدة ..
" وتبدأ بسرد حكاية الطيبة فيها , وأنها الأفضل وأنها الأطيب
وأنها وأنها ... فأود أن أرحل من مكان وجودي معها في ذات المكان ! "
تعود لقولها : فقط أريد أن تضعوا البحث في اسطوانة
أو تطبعوه على الورق .. وإن كانت حالة البعض المادية صعبة
فأنا مراعية جداً .. لا بأس أن تكتب البحث بخط يدها ..
( ومن ثم بدأت تقص لنا قصة أنها بكت ذات يوم بشدّة , لحال طالبة من طالباتها أخبرتها أنها لا تستطيع إحضار البحث بسبب حالتها المادية )
" نعم نعم طيبة "
في الوقت المحدد لتسليم البحث ..
وفي وقت المحاضرة , وقبل نهاية الوقت بدأنا بعض الطالبات
يسلمن لها البحث .. فتغيّر الأسلوب !
قالت بعصبية :
لا أحد يعطيني البحث الآن , أريده حين أذهب لمكتبي
أمرنا لله ..
انتهت المحاضرة .. وذهبنا جميعنا لها ,
وبقينا واقفين نصف ساعة خارج المكتب .. لأنها ببساطة حين دخلنا قالت :
أخرجن جميعاً لا أريد أحد أن يدخل الآن !
( على الرغم بأنها كانت جالسة فقط وغير مشغولة !! )
" نعم نعم طيبة "
وحين دخلنا , وسلمناها الأسطوانات
" وطبعاً اشترطت أن تكون الاسطوانة في ملف جميل وإلا لن تقبله ! "
" نعم نعم طيبة "
( كان الملف هو الحلاوة الأولى لتقبل بطلبنا )
حين سلمناها .. وسألتها إحدى الطالبات :
هل درجة البحث ستكون كاملة ؟
لتجيب .. طبعاً لا , فأنتم لم تحضروه كما فعلوا بعض زميلاتكم
انفعل الجميع , وغضب البعض ..
" أين كلامها بأنها تقبل الشيء البسيط !! "
( وكان طلبها للبحث ونحن في قمة انشغالنا في سنتنا الأخيرة والاختبارات العديدة والمواد الصعبة ! )
وعلى جانب مكتبها تشير لنا ,
أنظروا زميلة من زميلاتكم كيف صنعت لي البحث
" مجسّم بالفلين كبير , وأشياء أخرى تزينه ..
وفي داخله صندوق وضعت فيه أوراق البحث فقط ! "
قالت :
هذه من تستحق أن أعطيها درجة كاملة للبحث ..
( لم نكن نعلم بأنها تريد حلاوة ثانية ! )
أسرّت ذلك ربما لمن سألوها .. تريدين حلاوة ؟!
( على الرغم من أن حمود هو الذي طلب الثانية حينما أعطيتهُ الأولى ! )
وأنا طوال الوقت كنت أردد :
" نعم نعم طيبة "
شتّان بين الحلاوة التي أعطيتها ذلك الطفل .. وبين الحلاوة التي أعطيتها لهذه الدكتورة !
تلك الحلاوة والقبلة التي أعطاني إياها الطفل ,
ستبقى بقعة حمراء خلّفتها قبلتهُ الحماسية لنيل الحلاوة على خدّي , فأسعدتني ..
أما الحلاوة التي أعطيتها لتلك الدكتورة , والدرجات التي أعطتني أياها مقابل ما أعطيتها " بتعبي "
ستبقى بقعة سوداء في قلبي , خلّفتها أكاذيبها بمدحها لنفسها ,
واستقلالها حاجتنا لها , ولما تملكهُ لنا ..
كان من السهل أن أعطي ذلك الطفل حلاوة ثانية ..
لكن كان من الصعب جداً أن أعطيها هي ذلك ,
لا أريد لدرجات بحثي ذاك أن تكتمل .. على حساب أن يُقتَطَع شيء بداخلي
" يكمّل لي درجات بحثي "
ويقتطعٍ شيء داخلي ثمين بالنسبة لي ,
فأنا أحتاج ما بداخلي أكثر ..
أكره ذلك الأمر جداً .. أكره أن تكون حاجتي بيد الناس ..
أكره أن أذلَ نفسي , أو أفعل ما يرغبون به لأنال ما أريده ,
غالباً ما أفضل أن لا أنال ما أريد .. على حساب ذاتي ..
على حساب أن أجيب رغبة من لا أحبهم ..
" لتصرفاتهم المشينة "
( اللهم لا تجعل حاجتي بين يديّ أحدٍ غيرك , وإن كنت أهلاً لأتذلل ساجدةً إليك دائماً )
...........
نصيحة ..
( لا تقتطعوا شيئاً داخلكم ثمين بالنسبة لكم , وتهدوه لأناس لا يستحقونهُ أبداً )
فقط .. هذه الحلاوة الأولى " للجميع " ليوم الأربعاء
=)
" وهنالك ربما من سينال حلاوة ثانية , دون أن يطلب ! "
أربعاء سعيد أتمناهُ للجميع ..
عزيزتي الطفل يعاملنا بكامل إنسانيته فهو لا زال في طور نموه وتربيته هي التي ستحدد أي نوع من (الحلاوة) يريد عندما يكبر ..
طرح أدبي جميل جداً استمتعت بقراءته ..