كان اللقاء عندنا ..
دخلتُ وإياها من بابنـا .. ومشينا معاً حتى نصل قريباً لدارهم ..
ذاك الملاصق دارنا ..
وكنا نتجاذب الحديث .. قبل أن ترحل ..
أمسكُ بيدي الباب الخلفي من بيتنا لأفتحهُ لها ..
لكنني لم أفتحه .. فحديثنا بعد لم ينتهي ..
مضت الدقائق .. دقيقة وأخرى ..
تحكي .. وأستمع ..
أتنهد .. فتتنهد ..
تضحك .. فأضحك ..
تحكي عن موقف " أصابها بالغضب " فأتألم لأجلها ..
تحكي عن موقفٍ " أصابها بالقلق " فأشدَ على يدها ..
تحكي " عن دنيا تخفي لها شيء لا تعلمه " فأحتضنها ..
طالت الأحاديث .. وتشعبت .. واخترقت بجذورها عمق قلبينا ..
فدعوتها للجلوس على درجاتٍ ثلاثة كانت قريبة حيث نقف ..
" لا لم نرد الدخول إلى داخل الدار "
أردنا أن تكون السماء سقفنا .. وأن نقابل ذاك الجدار ..
" الذي أعتادنا "
أضع يدي على خدي وأنظر لها ..
و أقول : آه يا صديقي كم كبرنا .. وكم كبرت معنا الأشياء ..
بالأمس فقط .. كان أكبر همنا وحزننا أن نفقد في المدرسة " أرباع وأنصاف علامات ! "
أتذكرين حينما كنا صغاراً , وكدنا نبكي لأن تلك المعلمة التي كنا نحبها معاً
قد قصَت شعرها الطويل !
أتذكرين رسائلي التي خططتها لكِ وأنا صغيرة بخطٍ لا يكاد يفهمهُ أحد سواكِ ..
كنتُ فيها لكِ أشكي وأبوح
" أن زميلتنا تلك تريد أن تفرق بيننا "
بأن يا صديقتي لا تصدقيها .. وكلامٌ وكلام .. أنساني بعضه الزمن !
أتذكرين حينما كنا كنا صغاراً ونخرج من المدرسة لنذهب معاً لبيت زميلتنا بحجة أننا فقط سنشرب الماء قبل عودتنا للمنزل" ونبقى في دارها ساعتين ! "
ليثار خوف وجنون أمي وأمكِ
ظناً منهما أننا قد خُطِفنا !
أتذكرين بأن الجميع الجميع يردد حين يرانا " دائماً مع بعضكم لا تفترقوا !! "
وكنا نقول : لمــاذا يردننا أن نفترق !!
حتى أن واحدة ممن أعرفهن أخبرتني .. بأنها كانت تعتقد بأننا " مغرورتان "
لأننا فقط لطوال سنواتٍ نشمي لوحدنا فقط .. حتى على حدَ قولها
" تعرَفت علينا واكتشفت العكس =) "
أتذكرين في سنتنا الدراسية الأخيرة ..
كنا في ذات الفصل حقاًَ , على الرغم من أن المعلمة " ف " أرادت أن تفرقنا و تجعلنا في فصلين مختلفين .. والسبب كما قالت " ليتوزع النشاط والتفوق لا يتراكم في فصل واحد "
لكن إصرار الأستاذة " ن " على أن لا نفترق هو من أبقانا
فالشــكر لها .. جزيل الشكر .. وإلا كنتُ ربما سأجنَ !!
.
.
يــا لبرائة الطفولة التي جمعتنا معاً ..
ويا للمواقف الكثيرة التي عشناها ..
يا لقلبي .. وقلبكِ .. اللذان كبرا معاً ..
تقاسمتي معي أكثر مما تقاسمتهُ مع أختاي في الصغر ..
تقاسمتي معي الجميل .. والمرَ ..
الفرح .. والدموع ..
تقاسمتي معي النفس .. والنبض .. حتى أصبحتِ جزءاً لا أدرك مقداره من الروح ..
.
.
.. نظرنا في تلك اللحظات للسماء .. وتمنينا بعض الأمنيات التي هي للخيال أقرب ..
تمنينا أن تهبط طائرة من السماء وتأخذنا أنا معها إلي حيث نشاء ..
تمنينا أن نكون هنــاك .. هنــاك .. حيث كنا .. حيثُ نسعد .. حيث نرغب ..
حيث لا تساء الظنون .. حيث لا يحكي من ورائنا الآخرون ..
حيث نكون كما نحن .. ويرانا الآخرون كما نحن ..
حيث لا يتصنع أحد أقواله أمامنا لأسبابٍ وأسباب .. وفي قلبهِ تكمن حقيقة أخرى !
.
.
ومن بعد سلسلة الأمنيات .. بدأت كلٌ منا تبوح بأشياء لا يعلمها أحد ..
" قد تكون أشياء بسيطة , لكنها بمعانيها التي ندرك عميقة "
أزحت الستار وأزاحت الستار لأشياء تراكمت وما كانت لنا فرصة لقاء كهذه لنحكي لبعضنا عنها ..
حكينا وحكينا وحكينا وحكينا .. !
" لا .. لم تنتهي الحكايات , لا لم نملَ منها "
كانت تستطيع قول كلمة فقط .. لأكمل أنا الكلمات التي تود أخباري بها ..
كنت أستطيع أن أنظر لها فقط .. لتقرأ الحديث الذي أود أخبارها به ..
مضى الوقت سريعاً .. دون رغبة منا أن ينتهي ذاك اللقاء ..
شعرت براحة عجيبة .. سعادة عظيمة ..
كومة من الأشياء التي لا أعلمها " حقاً " داخلي قد أزيحت !
نعم .. لأنها صديقتي فقط .. لأنها صديقتي ..
استطعت أن أشعر بذلك كله ..
قرصها عقرب ساعتها .. ليخبرها بأن الوقت تأخر جداً ..
وكدنا بأحاديثنا أن نصل إلى نصف الليل .. لكنها غادرت قبل ذلك بنصف ساعة ..
غادرت وهي سعيدة .. لتتركني خلفها وأنا أشدَ سعادة ..
.
.
.
لا .. لم أدرك معنى أن أعيش الحياة بدون أن أملك صديقة ..
ولم ولن أتخيل شكل الحياة بدون " صديق "
لكن ..
مرَ علي موقفٍ مع إنسانة عزيزة كانت تشتكي لي ..
تخبرني بأنها ملَت من تلك الصداقات المزيفة ..
ملَت وهي تعتقد في كل مرَة تلتقي بها بإنسانة وتقول هذه هي الصديقة التي كنت أبحث عنها .. لتكتشف في نهاية المطاف أنها أسوأ من أن تصفها بذلك ..
تقول لي " أريد أن أعثر على تلك الصديقة التي أشعر بأنها قريبة لي حقاً ,أحكي لها وأبوح
كم من الزمن وأنا أبحث وإلى الآن لم أجد !!"
كانت حزينة وهي تخبرني .. فجعلتني أستشعر مقدار وجعها !
جعلتني أستشعر مقدار النعمة التي بين يديَ ..
فأنا منذُ خطواتي الأولى في المدرسة أمتلك تلك لصديقة ..
وحتى خطواتي الأخيرة لي ذات الصديقة ..
واحدة .. هي واحدة .. لم تتغير ..
كل ما تغيرَ أن محبتها في القلب تزداد في كل عام ..
قال الإمام علي عليه السلام
" من لا صديق له .. لا ذخر له "
شكراً للإله الذي هباني ذلك الذخر ..
أبقى الإلــه صديقاتي لي ..
=)
.
.
همسة : " يــا أنتِ .. كل عام ومحبتكِ أنتِ أيضاً في قلبي تكبر "
لأجلكِ ..